Skip to main content

تأملات في الحياة

إطاعة الحكمة

" 1يا ابني لاَ تَنْسَ شَرِيعَتِي بَلْ لِيَحْفَظْ قَلْبُكَ وَصَايَايَ. 2فإنها تَزِيدُكَ طُولَ أيام وَسِنِي حَيَاةٍ وَسَلاَمَةً. 3لاَ تَدَعِ الرَّحْمَةَ وَالْحَقَّ يَتْرُكَانِكَ. تَقَلَّدْهُمَا عَلَى عُنُقِكَ. اكْتُبْهُمَا عَلَى لو حِ قَلْبِكَ 4فَتَجِدَ نِعْمَةً وَفِطْنَةً صَالِحَةً فِي أَعْيُنِ اللَّهِ وَالنَّاسِ. 5تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. 6فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ وهو يُقَوِّمُ سُبُلَكَ. 7لاَ تَكُنْ حَكِيماً فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ 8فَيَكُونَ شِفَاءً لِسُرَّتِكَ وَسَقَاءً لِعِظَامِكَ. 9أَكْرِمِ الرَّبَّ مِنْ مَالِكَ وَمِنْ كُلِّ بَاكُورَاتِ غَلَّتِكَ 10فَتَمْتَلِئَ خَزَائِنُكَ شِبَعاً وَتَفِيضَ مَعَاصِرُكَ مِسْطَاراً. 11يا ابني لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ وَلاَ تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ 12لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ وَكَأَبٍ بِابن يُسَرُّ بِهِ. 13طُوبَى لِلإنسان الَّذِي يَجِدُ الْحِكْمَةَ وَلِلرَّجُلِ الَّذِي يَنَالُ الْفَهْمَ 14لأَنَّ تِجَارَتَهَا خَيْرٌ مِنْ تِجَارَةِ الْفِضَّةِ وَرِبْحَهَا خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ. 15هِيَ أَثْمَنُ مِنَ اللَّآلِئِ وَكُلُّ جو اهِرِكَ لاَ تُسَاويهَا. 16فِي يَمِينِهَا طُولُ أيام وَفِي يَسَارِهَا الْغِنَى وَالْمَجْدُ. 17طُرُقُهَا طُرُقُ نِعَمٍ وَكُلُّ مَسَالِكِهَا سَلاَمٌ. 18هِيَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ لِمُمْسِكِيهَا وَالْمُتَمَسِّكُ بِهَا مَغْبُوطٌ. 19الرَّبُّ بِالْحِكْمَةِ أَسَّسَ الأرض. أَثْبَتَ السماوات بِالْفَهْمِ. 20بِعِلْمِهِ انْشَقَّتِ اللُّجَجُ وَتَقْطُرُ السَّحَابُ نَدًى. 21يا ابني لاَ تَبْرَحْ هَذِهِ مِنْ عَيْنَيْكَ. احْفَظِ الرَّأْيَ وَالتَّدْبِيرَ 22فَيَكُونَا حَيَاةً لِنَفْسِكَ وَنِعْمَةً لِعُنُقِكَ. 23حِينَئِذٍ تَسْلُكُ فِي طَرِيقِكَ آمِناً وَلاَ تَعْثُرُ رِجْلُكَ. 24إذا اضْطَجَعْتَ فَلاَ تَخَافُ بَلْ تَضْطَجِعُ وَيَلُذُّ نَوْمُكَ. 25لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفٍ بَاغِتٍ وَلاَ مِنْ خَرَابِ الأَشْرَارِ إذا جَاءَ. 26لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ مُعْتَمَدَكَ وَيَصُونُ رِجْلَكَ مِنْ أن تُؤْخَذَ. 27لاَ تَمْنَعِ الْخَيْرَ عَنْ أَهْلِهِ حِينَ يَكُونُ فِي طَاقَةِ يَدِكَ أن تَفْعَلَهُ. 28لاَ تَقُلْ لِصَاحِبِكَ : «إذهَبْ وَعُدْ فَأُعْطِيَكَ غَداً» وَمَوْجُودٌ عِنْدَكَ. 29لاَ تَخْتَرِعْ شَرّاً عَلَى صَاحِبِكَ وهو سَاكِنٌ لَدَيْكَ آمِناً. 30لاَ تُخَاصِمْ إنساناً بِدُونِ سَبَبٍ أن لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ مَعَكَ شَرّاً. 31لاَ تَحْسِدِ الظَّالِمَ وَلاَ تَخْتَرْ شيئاً مِنْ طُرُقِهِ 32لأَنَّ الْمُلْتَوِيَ رِجْسٌ عِنْدَ الرَّبِّ. أَمَّا سِرُّهُ فَعِنْدَ الْمُسْتَقِيمِينَ. 33لَعْنَةُ الرَّبِّ فِي بَيْتِ الشِّرِّيرِ لَكِنَّهُ يُبَارِكُ مَسْكَنَ الصِّدِّيقِينَ. 34كَمَا أَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ هَكَذَا يُعْطِي نِعْمَةً لِلْمُتَوَاضِعِينَ. 35الْحُكَمَاءُ يَرِثُونَ مَجْداً وَالْحَمْقَى يَحْمِلُونَ هو اناً "
سفر الأمثال 3 : 1-35
نعيش في أيام جوها مشبع بأزمة الطاعة أو الاطاعة. عالمنا اليوم لا يرغب في سماع هذه الكلمة لأن الناس ولا سيما الجيل الناشيء يودون بأن يكونوا لأنفسهم عالما جديدا بدون قوانين معينة ولا اطاعة للقوانين. نجد هذه الأزمة قبل كل شيء ضمن صرح العائلة. الأولاد لا يطيعون والديهم بل يودون بأن يأكلوا ويناموا في بيوتهم وكأنها عبارة عن فنادق أو أوتيلات! والطلاب لا يرغبون في اطاعة أساتذتهم بل ينقلبون عليهم وينتقدونهم وكأن الطلاب بغنى عن الثقافة التي جاؤوا لتحصيلها في المدرسة أو الكلية أو الجامعة. وبعض المواطنين لا يحترمون أولئك الذين في يدهم أمور الدولة فنراهم ينتقدون بشكل قوى أمور البلاد بدون أن يقدموا أية خدمة حقيقية لأوطانهم! ولكن الطاعة ضرورية وضرورية بصورة تامة لأن عالمنا مهدد بالفوضى والانحلال أن لم تصبح فيه الطاعة عنصرا أساسيا من حياتنا المعاصرة.

وان كنا نؤكد أهمية الطاعة في الحياة العائلية والمدرسية والوطنية فإنه من واجبنا أن نشدد على هذا الموضوع بصورة خاصة فيما يتعلق بالحكمة. فنحن عندما نتكلم عن الحكمة لا نقوم بذلك من ناحية نظرية أو مجردة. موضوع الحكمة هو موضوع حياتي وعملي. ولذلك من العبث الكلام عن الحكمة ووصفها والبحث في المواضيع المتعلقة بها أن لم نكن مصممين على العمل بتعاليمها. فالحكمة ليست مجرد معرفة شاملة لمواضيع العالم الثقافية والعلمية وغير ذلك من المعارف. الحكمة هي وضع المعرفة وضع التنفيذ لخير الإنسانية جمعاء ولمجد الله تعالى. وهذا يعني اننا ملزمون بأن نطيع الحكمة وألا نكتفي بالكلام عنها. وهذا هو موضوعنا الذي سنبحث فيه متكلين على الوحي الإلهي المعطى لنا في الفصل الثالث من كتاب الأمثال لسليمان الحكيم.

يبدأ الحكيم بالكلام قائلاً " 1يا ابني لاَ تَنْسَ شَرِيعَتِي بَلْ لِيَحْفَظْ قَلْبُكَ وَصَايَايَ. 2فإنها تَزِيدُكَ طُولَ أيام وَسِنِي حَيَاةٍ وَسَلاَمَةً. 3لاَ تَدَعِ الرَّحْمَةَ وَالْحَقَّ يَتْرُكَانِكَ. تَقَلَّدْهُمَا عَلَى عُنُقِكَ. اكْتُبْهُمَا عَلَى لو حِ قَلْبِكَ 4فَتَجِدَ نِعْمَةً وَفِطْنَةً صَالِحَةً فِي أَعْيُنِ اللَّهِ وَالنَّاسِ " هذه كلمات صريحة للغاية : لابد من الطاعة عندما نود بأن نستفيد من الحكمة لأنه بدون الطاعة ليس هناك حكمة، لأن الحكمة انما هي وضع المعرفة الصحيحة موضع التنفيذ!

وعندما نذكر موضوع الطاعة لابد لنا من أن نعرف ماذا علينا أن نطيع. انه لا يكفينا القول بأن الطاعة واجب. من أطيع وماذا أطيع وإلى أي مدى أطيع؟ هذه أسئلة مصيرية وهامة للغاية. واجابة عليها قال الحكيم " 5تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. 6فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ وهو يُقَوِّمُ سُبُلَكَ. 7لاَ تَكُنْ حَكِيماً فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ " قال سليمان " بِكُلِّ قَلْبِكَ وفِي كُلِّ طُرُقِكَ " اطاعة الحكمة تعني اطاعة تامة ومطلقة وكلية لله تعالى. وهذه الطاعة ليست بطاعة عمياء لأن الله انما أعطانا أن نعرف مشيئته وارادته في كلمته المقدسة. لقد تكلم الله معنا بواسطة أنبيائه ورسله وسهر تعالى على أن تدون هذه الكلمة المقدسة وان تترجم إلى سائر لغات البشر لكي لا يبقى إنسان بدون واسطة للتعرف على الحكمة. ولكن الله لم يتكلم عبثا، انه تكلم وكلمته يجب أن تطاع. ولاطاعة الله جانب ايجابي وآخر سلبي. اطاعة الله تعني الاعتراف به في سائر نواحي الحياة والسير على طريقه المستقيم، واطاعة الله تعني أيضاً عدم الاعتماد التام والمطلق على فهمنا نحن بني البشر.

وكم نحن بحاجة إلى التحذير الإلهي في يومنا هذا؟! وعلى فهمك لا تعمتد! الإنسان المعاصر يعتمد على فهمه وينبذ الحكمة الإلهية. الإنسان المعاصر يقول لنا في كتاباته الروائية منها والعقائدية وغيرها أن الله غير موجود أو غير مهم أو أنه ترك العالم لشأنه. ولكن الإنسان المعاصر يتفوه بهكذا كلمات يأس وقنوط والحاد لأنه انما ارتكب خطيئة عظمى ألا وهي الاكتفاء الذاتي بالحكمة الذاتية أو بالفهم المنبعث من عقل الإنسان المحدود ذى الميل الدائم نحو الشر. لا تكن حكيما في عيني نفسك لأنك أن ظننت بأنك أنت منبع الحكمة وان الإنسان هو كائن مكتف بطاقاته الخاصة وأن حكمته تكفيه فأنك ستجد أن عأجلا أو أجلا أن ما فكرت به كحكمة انما كان ضلالا مبينا. الحكمة الحقيقية هي من صفات الله وهي هبة من الله يمنحها لبني البشر بمقتضى شروطه وطرقه المقدسة. منبع الحكمة ليس الإنسان بل الله، لذلك كل من صار حكيما في عيني نفسه انما هو بالحقيقة جاهل وأحمق. وبكلمة مختصرة اعلم جيدا أيها الإنسان بأن الحكمة تتطلب منك الطاعة وهذه الطاعة تتطلب منك الاتكال التام على الله وعدم الاعتماد على حكمتك الذاتية.

وموضوعنا هو عملي بدرجة عظمى ونرى ذلك في كلمات الحكيم الذي لم يكتف بالكلام عن الاتكال التام على الله بل قال أيضاً " أكرم الرب من مالك ومن أو ائل غلاتك، فتمتليء وفرة وتفيض معاصرك خمرا جديدة! " ولكن لماذا يتكلم الله بواسطة عبده سليمان عن موضوع المال وما علاقة ذلك بالحكمة؟ قد يظن البعض أن الله غير آبه بموضوع المال ولكنهم مخطئون. فمع أن الله لا يحتاج إلى أموالنا الا انه يمتحنا في موضوع حكمتنا وذلك في الموقف الذي نتخذه من المال. هل ننظر إلى أموالنا وكأنها لنا بصورة مطلقة؟ هل نتعلق بأموالنا بصورة كبيرة؟ أن كنا على تلك الشاكلة فأننا نظهر عدم تفهما لجانب كبير من موضوع الحكمة. الله هو المالك المطلق لكل ما في الوجود بما في ذلك الاموال والمقتنيات التي ندعوها بأموالنا ومقتنياتنا. نحن وكلاء على أموالنا وأرزاقنا ولذلك علينا أن نظهر ذلك بصورة عملية عندما نكرم الرب من مالنا.

وبصورة عملية هكذا أموال لا تذهب إلى الله بل إلى الفقراء والمحتاجين أو إلى المشاريع الخيرية والإنسانية والمتعلقة بنشر وإذاعة حكمته في عالمنا.

والشيء العظيم الذي يعدنا به الله هو اننا كلما ازددنا كرما وسخاء أي كلما ازداد كرمنا وسخاؤنا في سبيل الله كلما تكاثرت الخيرات والبركات التي يغدقها الله علينا. طبعا هذا لا يعني اننا نضحي أسخياء طمعا بأموال أكثر، ليست هكذا أفكار بأفكار حكمة إلهية المصدر! كلمة الله صريحة : " أكرم الرب من مالك.. فتمتلىء مخازنك وفرة! بركة الرب هي بركة نعمة لا نستحقها مطلقا وليست عبارة عن بركة نشتريها بجهودنا أو مآثرنا العظيمة.

والحياة البشرية التي نحياها ليست بحياة خالية من الآلام والمشقات والمصاعب بل كثيراً ما تنهمر علينا الأتراح وتظلم سماء حياتنا بصورة شديدة. الفهم البشرى المحدود يقول لنا في هكذا حالات بأننا قد خسرنا عطف الله ومودته وليس علينا سوى الاستسلام لقضاء أعمى! لكن حكمة الله تقول لا وألف لا؟ انصت إلى كلمات الحكمة : يا بني لا ترفض تأديب الرب ولا تمل توبيخه فان الذي يحبه الرب يؤدبه كما يؤدب أب ابنا يسر به " الآلام والأحزان والأتراح التي تنهال على المؤمن ليست عبارة عن غضب الله عليه، على العكس انها علامات محبة له. ألم يؤدبنا والدنا وهل كان تأديبه علامة أو رمزا لعدم محبته لنا؟ كلا أن آباءنا وأمهاتنا يحبوننا ولكنهم لا يمتنعون عن تأديبنا. وهكذا الله أيضاً انه يؤدب خائفيه والمؤمنين به.

يا لها من أمور عظيمة أمور الحكمة! لنصغي إلى تعليق الحكيم عليها " 13طُوبَى لِلإنسان الَّذِي يَجِدُ الْحِكْمَةَ وَلِلرَّجُلِ الَّذِي يَنَالُ الْفَهْمَ 14لأَنَّ تِجَارَتَهَا خَيْرٌ مِنْ تِجَارَةِ الْفِضَّةِ وَرِبْحَهَا خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ. 15هِيَ أَثْمَنُ مِنَ اللَّآلِئِ وَكُلُّ جو اهِرِكَ لاَ تُسَاويهَا "

أيها القارئ العزيز! قد تقول : انني لا أشعر بجإذبية الحكمة، انني أعيش في عصر المادية وما يجذبني هو المال من ذهب وفضة وغير ذلك من مقتنيات القرن العشرين! حسن أن تكون صريحا مع نفسك وأن تعترف بأن الحكمة – كما وصفها سليمان بن داود – لم تجذبك. انك بحاجة إلى قوة تحريرية إنقاذية فدائية لكي تنقذك من شهوة المادة وهذه هي قوة المسيح المخلص. أرجوك لا تقسي قلبك بل تعال الآن إلى الله واعترف بأنك بحاجة ماسة إلى الخلاص من جإذبية الشر والمعصية واقبل منه تعالى هبة المسيح. كل من آمن بالمسيح إيماناً قلبيا وجد نفسه سائرا على طريق الحكمة الحقيقية. فمع أن سليمان كان عظيما الا أن المسيح أعظم من سليمان لأنه لا يتكلم عن الحكمة فقط بل هو حكمتنا وخلاصنا لأنه جاء إلى عالمنا وعاش بيننا ومات عنا وقام من الأموات لكي نتمكن من السير على طريق الحكمة.

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع كلمة الحياة.
  • عدد الزيارات: 1805